في ذكرى معركة الملاذ الأخير: بوكافر

السبت، 10 ديسمبر 2011



لذكرى بوكافر وقع خاص في نفوس المغاربة رغم أن مجاهدي أيت عطا استسلموا أمام القصف الفرنسي  بعد أربعين يوما من الحصار  فإن  استسلامهم المشرف يعد بحق انتصارا لقيمهم و لكرامتهم عندما عبروا عن رفضهم للتواجد الفرنسي بالمنطقة .

رغم مرور 76 سنة على هذه المعركة التي تعتبر نقطة انعطاف في تاريخ أيت عطا  ما تزال الكثير من علامات الإستفهام تغطي جانبا من الحقيقة في هذه المعركة سيما و أنها لم تتلق ما يليق بها من اهتمام من قبل الإعلام بل حتى من لدن الباحثين الذين اذا ما استتنينا منهم بعض الأسماء يبقى الكثير منهم يسلك الطرق القصيرة بترديد الرواية الرسمية  دون النبش عن الحقيقة . و أغلب المراجع عن هذه المعركة ليست إلا مذكرات كتبها قواد في الجيش الفرنسي تحاول قد الإمكان أن تظهر الجانب الإنساني لفرنسا رغم أن القذائف التي لم تكن ترحم طفلا ولا امرأة ما تزال لحد ساعة شاهدة على قسوة فرنسا و مخزن تلك الحقبة. و ما يزال أبناء المجاهدين و حفدتهم يتناقلون روايات عن بشاعة القصف و لاإنسانية فرنسا.

أيت عطا و "المخزن" تاريخ طويل من الصراع:

قال المختار السوسي رحمه الله في معسوله "إن أيت عطا مشهورون بالثبات في المعامع شهرة لا يضاهيهم فيها من عاشرهم من الأقوم " و قد استمد السوسي حكمه هذا من خلال ما لهذه القبائل من باع طويل في صراعها مع الحكم المركزي منذ 1678 تاريخ قيادة السلطان مولاي اسماعيل لحملته العسكرية نحو وادي زيز و منطقة غريس و فركلة و تودغا و دادس ، مرورا بـ 1730 عندما حاول مولاي عبد الله تثبيث نفوذه بدرعة فـ1757 عندما ارسل مولاي محمد بن عند الله قوات عسكرية للتدخل في تافيلات، و في 1801 لم يتمكن مولاي سليمان من بسط سيطرته على درعة في حملته العسكرية التي دامت إلى حدود 1803 ليعود مرة أخرى في 1816 لينفذ حملة عسكرية أخرى في السفح الجنوبي للأطلس . ففي كل هذه الإصطدامات بين قبائل أيت عطا و السلطة المركزية لم يتمكن "المخزن" من فرض نفوذه على الجنوب الشرقي منطقة سلطة هذه القبائل في تلك الحقبة بل وصل التحدي مداه عندما جاء جابي الضرائب إلى صاغرو فأجابه أحد شيوخ تلك القبائل : ( وحق دادا عطا ما نعطي المعطى وخا يولي جبل صاغرو وطا). فرغم انتماء هذه المناطق جعرافيا الى المغرب فإن ما يربطها بالمركز لا يفوق بعض الروابط الاقتصادية كالتسوق من فاس و مراكش و غير ذلك فإن لأيت عطا قانونهم المنظم لحياتهم من تسوية أبسط نزاع إلى اختيار الرئيس العام للإتحادية.

و تذكر كتب التاريخ أن الصراع بين المخزن و أيت عطا استمر إلى حدود 1921 عندما سافر رجل يدعى بن مورغي ( آخر رئيس  عام لإتحادية أيت عطا) رفقة  ممثلي الفخدات لتقديم الولاء للمخزن في مراكش رغم أن هذا الولاء لم يدم طويلا لتعلن هذه القبائل ردتها عن المخزن  سنة 1927 و تعلن مساندتها لكل عمل ضد الكلاوي و المخزن و فرنسا .
  
في 24 مارس 1933 تاريخ انتهاء معركة بوكافر و تجريد العطاوين من السلاح يكون المخزن بذلك قد بسط سيطرته على بلاد أيت عطا ( بمساعدة فرنسا)  و يكون بذلك قد طبق نصيحة قيل أنها قدمت لأحد السلاطين العلويين وهي:(اضرب القوم الظالمين بالقوم الكافرين(.

القبطان جورج سبيلمان: الفقيه ذو العينين الزرقاوين!

منذ 1898 و القبطان جورج سبيلمان يجوب بلاد أيت عطا متنكرا في زي فقيه سمى نفسه مولاي سليمان مستغلا جهل قبائل أيت عطا بالعربية و القرآن الكريم مستغلا في الوقت نفسهامكانيات وفرتها له فرنسا و المخزن كاستفادته من تقارير  سياسية و عسكرية و جغرافية عن كل بلاد أيت عطا و منوغرافيات رحل و باحثين فرنسيين سبقوه إلى المنطقة أمثال شارل دوفوكو و رولف و سكونزاك و غورهم. كما أن تنقله المستمر و احتكاكه المباشر بالسكان خول له معرفة دقيقة لأحولهم عاداتهم تاريخهم و عقلياتهم ، كل تلك المعلومات التي استقاها سبيلمان عن أيت عطا مكنته من مباشرة عمل سياسي سهل العمل العسكري فيما بعد خاصة و أن اطلاعه على جميع نقط ضعف الإتحادية جعله يبرع في تأجيج النعرات القديمة و يحيي الخلافات بين أبناء القبيلة الواحدة خاصة عندما ترأس مكتب الشوؤن الأهلية بأكذز بداية من يناير 1931.

بوكافر : أربعون يوما من القصف و الحصار
لم تكن موازين القوى متكافئة بين قوم لا يملكون إلا كرامتهم و بعض البنادق من نوع 1874 وبين جيش قوي يملك كل وسائل الفتك من طائرات و صواريخ و عتاد حربي و جيوشا من الأتباع الذين جندتهم فرنسا لترويض سباع يرفضون التواجد الفرنسي في المنطقة . و مع كل الفوارق فإنهم قاوموا فرنسا و قتلوا الكثير من ضباطها و استطاعوا أن يزرعوا الخوف في صفوف قوات العدو بل استطاعوا أن يجبروا فرنسا على قبول شروطهم لوقف إطلاق النارمنها حترام اعرافهم و نسائهم و سيادتهم على المنطقة .

ابتدأ اطلاق النار في معركة بوكافر يوم 14 فبراير 1933 بين مجاهدي أيت عطا و بين فرنسا المدعمة بأتباع الكلاوي و أتباع من دادس و إمغران و درعة تحت قيادة الجينرالين جيرو و كاترو و قد استمر القصف إلى 24 مارس بعدما استسلم الجناح الغربي لجبل بوكافر فاضطر الجناح الشرقي ( الذي يتواجد فيه عسو أوباسلام) لقبول التفاوض على وقف إطلاق النار ، فنزل سبعة أفراد من الجبل للإتفاق حول شروط الهدنة قرب ضريح الولي خويا ابراهيم  و قد تم احصاء  2900 فرد هم ما تبقى ممن لم يستشهد في هذه المعركة كما تم تجريدهم من 369 بندقية هي كل ما تبقى لديهم.
كتب جورج سبيلمان قائد حركة درعة في معركة بوكافر في كتابه أيت عطا الصحراء و تهدئة درعة العليا: " … وبانتهاء تهدئة صاغرو تنتهي تهدئة المنطقة الخاصة بأيت عطا ، ولأول مرة خلل تاريكها التويل خضعت اتحادية أيت عطا للمخزن و قد أظهرت لنا المقاومة اليائسة التي قامت بها في صاغرو فرقة صغيرة من فخداتها الصعوبات التي سنصدم بها لو لم يفكك نشاطنا السياسي الماهر و المتصلب لهذه الإتحادية و كسب الخضوع و الولاء من معظم عناصرها خلال عدة سنوات".
  
خويا ابراهيم "الشاهد" على توقيع الهدنة:

علي مقربة من ضريح الولي الصالح خويا ابراهيم تم توقيع الهدنة بين ممثلي  من لم يستشهد من مجاهدي أيت عطا و القوات الفرنسية  حيث نصب قائد الجيش الفرنسي خيمة لإحتضان موقعي الإتفاق . لقد اختارت فرنسا أن توقع ميثاق الهدنة  قرب ضريح هذا الولي لما  تمثله هذه الأضرحة في الثقافة الدينية لأيت عطا القدماء ما يكنونه من احترام للأولياء و الشرفاء.

يوجد قبر الولي "الصالح"  خويا ابراهيم في منخفض امساعدن أسفل جبل بوكافر ، تقول الأسطورة أن الرجل بينما كان يجوب جبال صاغرو لمح امرأة حاملا  متعبة ، وقد تركت في حظيرة مهجورة ( أمازير) ترمي قطع جلد قديم في النار و تأكلها لتطفى رغبتها المحلة في تناول الطعام ، رق "خويا ابراهيم" لحالها فعاد يبحث لها عن طعام . تقول الرواية الشفوية أن الرجل سرق خروفا و جاء به إليها . ذبحه و كلما طهى منه جزء ا إلا و قدمه لها من كوة الحظيرة دون أن ترى وجهه، فلما شبعت تمتمت له بدعوات صالحة فظهرت كرماته في حياته.

عندما توفي هذا الرجل دفن في منخفض امساعدن  و بنت له قبائل أيت عطا  ضريحا بسيطا لكنها دأبت على زيارته و التبرك به خاصة  أيت بوداود الذين ما يزالون لحد الساعة يحيون ليلة القدر في  هذا الضريح.

نشير أن زيارة هذا الولي تقتضي أن يتمنى الزائر أمنية و يمسك طرف عكاز هذا الولي و يحاول رفعه فإن ارتفع فان الأمنية سوف تتحقق و ان لم يرتفع فإن الأمينة لن تتحقق !!

ألنيف تخلد ذكرى معركة بوكافر..

 على امتداد ثلاثة أيام احتفت ساكنة ألنيف  بالذكرى 76 لمعركة بوكافر ، حيث دأبت جمعية تحمل اسم  هذه المعركة على تخليد هذه الذكرى بداية شهر مارس من كل سنة . تضمن برنامج التخليد هذه السنة تنظيم سباق على الطريق  عرف مشاركة  300 متسابق و متسابقة ، كما تضمنت الأيام أيضا تنظيم معرضا للكتب و آخرا للمنتوجات النسائية و ثالثا للمستحثات التي تنشط تجارتها و استخراجها بمنطقة ألنيف. من جانب آخر تم تقديم محاضرات و ندوات عن هذه المعركة الخالدة من طرف باحثين و مهتمين مغاربة و أجانب أمثال محمد المنور سعيد العرباوي فيلب إيفوري و غيرهم ؛ كما تم تنشيط أمسية فنية في ساحة انرارن بمركز ألنيف حج إليها مخلتف سكان إلنيف ، أحياها مجموعة من خيرة فناني الجنوب الشرقي كأمناي ، مبارك  و مجموعته صاغرو، باحا لحسن  إضافة إلى إمديازن الشيخ علي امحلي و الشيخ موحى.

واختتمت جمعية بوكافر تخليدها لذكرى بوكافر بزيارة لموقع المعركة يوم الأحد فاتح مارس ,هذه بعض الصور من موقع المعركة..




Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
 
المقاومة المغربية © 2012 | تصميم بابل شوتر, بشراكة مع ريسلر هوستنغ - تعريب قوالب بلوجر عربية ومجانية